10/26/08

العِصْيانُ المَدَنِيّْ ..... الواجبُ المُغَيَّب

العِصْيانُ المَدَنِيّْ ..... الواجبُ المُغَيَّب
*أحمد سعد دومة
يظن البعض أن العصيان المدني مصطلحاً غربياً جاء على الإسلام والمسلمين دخيلاً غريباً ، والحق أن العصيان المدني والخروج السلمي على الحاكم الظالم الفاسد شيءٌ من الإسلام ليس جائزاً فحسب ، إنما يصل في أحيان كثيرة إلى حد الوجوب والفرضية .
فالدين الإسلامي الحنيف الذي جاء ""ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد" لا يمكن بأي منطق أن يرضى لأتباعه أن يحيون حياة عبيد أذلاء تحت إمرة حكام ظالمين فسدة يستحلوا الحرام ويحرمون الحلال ، ويأخذوا ما ليس لهم بغير الحق ظلماً وعدواناً ."
ولا يمكن كذلك لمن قال عنهم رب العزة في كتابه ""وأمرهم شورى بينهم" أن يتحكم في أمرهم مجموعة من الاستغلاليين واللصوص ومصاصي الدماء الذين جاءوا إلى سدة الحكم بالبلطجة والقوة والتزوير ."
ولا يمكن كذلك –بأي حالٍ- أن يرضى الإسلام وهو دين الحرية والعدل أن يؤتي المسلمون –أو غيرهم- أموالهم لمجموعة من السفهاء الذين لا يمكن أن يستأمنون على درهم ولا دينار ، فهم سارقي أموال هذه الأمة ، وسارقي أحلامه كذلك .
فالإسلامُ دينٌ جاء لحماية العرض والمال والكرامة والحقوق . انظر معي قول الله تعالى ""ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " "
ألم يقل الله عز وجل كذلك في سورة الشورى الآية42 ""إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ...." وهذه الآية معناها أن الطريق للمسلمين على الذين يتعدون على حقوق الناس ظلماً وعدوانا ، ودعوة من الله إلى أن نعاقب هؤلاء بظلمهم لأنهم تجاوزوا الحد الذي حده الله لهم إلى ما لم يأذن الله لهم فيه فيفسقون ويفسدون بغير الحق ، فالواجب أن نمنع هؤلاء من ظلمهم ، فالأرض لا يمكن أن تُصلح وفيها باغٍ يجوز ولا يجد من يقاومه ويقتصّ منه ويقف في وجهه ويأخذ على طريقه ، حتى ينتهِ منه ومن ظلمه ."
وتذكروا معي قول الله تعالى في الآية "151-152" في سورة الشعراء حيث قال الله تعالى ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) صدق الله العظيم .
ها هي دعوة صريحة من الله عز وجل إلى عباده المؤمنين بألا طاعة لمسرف على نفسه في شهوات وأهواءٍ تملكته عن أمر ربه ، ومفسدٍ في الأرض يخالف أمر الحق ويتسبب بأوامره ونواهيه في منصبه بالأذى للعوام من المحكومين، فتمادي الحاكم في المعصية ،وابتعاده عن الطاعة والأمر بها واجترائه على سخط الله يوقع من عليه صفة الطاعة ، فلا طاعة له بذلك ولا ولاية. وقد جاء في سورة الكهف في الآية28 ""وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاه ُوَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " فهي دعوة من الله إلى محمدٍ ومن اتبع محمداً ألا طاعة لمن أغفل الله قلبه عن القرآن وما جاء فيه من الهدى والفرقان والبينة وكان أمره لهواه فترك أمر الله ونهيه وحكَّم على نفسِهِ نفسَهْ وأسرف على نفسه من المعاصي من الظلم والفساد وأكلٍ للحقوق ، أو قصَّر في حدود الله وطاعته وهداه ، وفي هذا أمرُ بإعلان العصيان على الظالم والفاسد ، والممتنع عن أمر الله ونهيه . وقد جاء في الطبراني عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحديث أراه لا يحتاج تأويلاً أو تفسيراً فهو واضحٌ لا لبس فيه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أنه لا يعدل قدر حمزة في أن يكون سيد الشهداء إلا واحد ...من هو يا رسول الله ؟؟؟ هذا الرجل الذي يقوم إلى حاكم ظالم "في مظاهرة أو إضراب أو اعتصام أو احتجاج أو مسيرة " يأمره بالحق وينهاه ، فيقتله الحاكم أو أعوانه من الأمن المركزي أو مكافحة الشغب – فهم أيدي الحاكم على المحكومين – فهذا هو الذي يعدل حمزة في درجته ، وهذا يبين لنا فضل الوقوف في وجه الحاكم الظالم ، ونهيه عن ظلمه ، وأمره بتأدية الحقوق لأهلها ، وإلا لما كانت مرتبة الذي يقتل في هذا الموضع بمرتبة"سيد الشهداء" .
وإلا فليفسر لي أحد قول النبي "صلى الله عليه وسلم" (من مات دون ماله فهو شهيد ، ومن مات دون عرضه فهو شهيد ، ومن مات دون أهله فهو شهيد ...... ) .
أليست هذه دعوة واضحة صريحة للدفاع عن المال والعرض والكرامة والولد بكل شيءٍ حتى ولو بلغ الأمر إلى حد الموت ، فما هو الحال إذاً مع نظام يسرقنا ، ويهدد مستقبلنا ، ويدمر عقولنا وعقول أبنائنا ، ويغتصب حقوقنا ليل نهار .
والحديث الشريف الذي جاء في سنن النسائي وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "" أنه سيكون من بعدي أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه "" وهو الذي لا ينطق عن الهوى أوحى الله تعالى له بأن هذا الزمان سيكون ، وسيأتي من الحكام من يكذبون الناس ،ويصدقهم الناس ، ومن يظلمون الناس ويعينهم أتباع على ظلمهم ، لقد وضع النبي الأمين هؤلاء في خانة تخرجهم عن الإسلام أصلاً ، فقال "ليس مني ، ولست منه" ، فالتعاون من هذه الحكومات نوعاً من إعانتها على ظلمها ، والإذعان لأوامرها نوعاً من إعانتها على ظلمها ، والاعتراف وتصديق كذبهم ضلال كبير ، يجب على المؤمن أن ينأى بنفسه عنه بعد أن على تحذير النبي صلى الله عليه وسلم له .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في حديث آخر جاء في الترمزي وأبو داوود حيث قال "ص" (أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ونحن نتساءل عن أسباب الغلاء والفقر والبطالة ، لقد جاوبنا الرسول الكريم بأن هذا عقابٌ من الله على أننا لم نقف في وجه الظالم – ولو كان حاكماً – فقد جعل الله الوقوف في وجه الظالم والأخذ على يده واجبٌ لمن خاف عقاب الله وأراد تجنبه ، فكيف بنا نرضى لأنفسنا المذلة والهوان والبعد عن نجاة هدى الله خوفاً من أن نطرد في العمل أو نحارب في الرزق أو نغيب خلف قضبان السجون ، أنسينا أن الله صاحب الكون ، وربه ؟ ..... أنسينا أنه الله موزع الأرزاق ومليك كل شيء ؟؟ "
يبدو أن عصا الجنود وكردوناتهم صارت تنسينا منهاج ربنا ، وعقيدتنا التي سنحاسب بها ، وشريعة النبي وهداه الذي جاء به .
رضينا بالظلمات ، فلم يأتِ لنا النور .... ورضينا بالعبودية ، فلم نستنشق هواء الحرية ...... وقبلنا بحكم الظالمين ، فلم تكون لنا رحمة الله .
القرآن والسنة تملؤهم الدعوات للعصيان ، والثورة على الظلم ، والموت فداءً للكرامة والحرية ، لكنها الإرادة ،والإيمان وحدهم القادرين على امتلاك الزمام ، فاستعدوا لجهاد كبير ، ومرتبة تعدل سيد الشهداء ، وانتصروا لأنفسكم تنتصروا .
وارفعوا راية العصيان .